فهرس المحتويات
انتقل مباشرة إلى القسم المطلوب
0% مقروء
قال الأصفهاني:
أمة حبشية، كان أبوه نفاه ثم ألحقه بنسبه:
هو عنترة بن شدّاد، وقيل: ابن عمرو بن شدّاد، وقيل: عنترة بن شدّاد بن عمرو بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن ربيعة، وقيل: مخزوم بن عوف بن مالك ابن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الرّيث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر. وله لقب يقال له عنترة الفلحاء؛ وذلك لتشقّق شفتيه. وأمّه أمة حبشيّة يقال لها زبيبة، وكان لها ولد عبيد من غير شدّاد، وكانوا إخوته لأمّه. وقد كان شدّاد نفاه مرّة ثم اعترف به فألحق بنسبه.
وكانت العرب تفعل ذلك، تستعبد بني الإماء، فإن أنجب اعترفت به وإلّا بقي عبداً.
فأخبرني عليّ بن سليمان النحويّ الأخفش قال أخبرنا أبو سعيد الحسن بن الحسين السكّريّ عن محمد بن حبيب، قال أبو سعيد وذكر ذلك أبو عمرو الشّيبانيّ، قالا: كان عنترة قبل أن يدّعيه أبوه حرّشت عليه امرأة أبيه وقالت: إنه يراودني عن نفسي؛ فغضب من ذلك شدّاد غضباً شديداً وضربه ضرباً مبرّحاً وضربه بالسيف؛ فوقعت عليه امرأة أبيه وكفّته عنه. فلما رأت ما به من الجراح بكت - وكان اسمها سميّة - فقال عنترة:
صوت
أمن سميّة دمع العين مذروف
لو أنّ ذا منك قبل اليوم معروف
كأنّها يوم صدّت ما تكلّمني
ظبي بعسفان ساجي العين مطروف
تجلّلتني إذ أهوى العصا قبلي
كأنّها صنم يعتاد معكوف
العبد عبدكم والمال مالكم
فهل عذابك عنّي اليوم مصروف
تنسى بلائي إذا ما غارة لحقت
تخرج منها الطّوالات السّراعيف
يخرجن منها وقد بلّت رحائلها
بالماء تركضها الشّمّ الغطاريف
قد أطعن الطعنة النجلاء عن عرض
تصفرّ كفّ أخيها وهو منزوف
غنّى في البيت الأوّل والثاني علّوية، ولحنه من الثقيل الأوّل مطلق في مجرى البنصر، وقيل: إنه لإبراهيم. وفيهما رمل بالوسطى يقال: إن لابن سريج، وهو من منحول ابن المكيّ.
قوله «مذروف»: من ذرفت عينه، يقال: ذرفت تذرف ذريفاً وذرفاً، وهو قطر يكاد يتصل. وقوله: «لو أنّ ذا منك قبل اليوم معروف». أي قد أنكرت هذا الحنوّ والإشفاق منك، لأنه لو كان معروفاً قبل ذلك لم ينكره.
«ساجي العين». ساكنها. والساجي: الساكن من كل شيء. «مطروف»: أصابت عينه طرفة، وإذا كان كذلك فهو أسكن لعينه. «تجللتني»: ألقت نفسها عليّ. و «أهوى»: اعتمد. «صنم يعتاد» أي يؤتى مرّة بعد مرّة. و «معكوف»: يعكف عليه. و «السّراعيف»: السّراع، واحدتها سرعوفة. و «الطّوالات»: الخيل. والرحائل: السروج. والشمم: ارتفاع في الأنف. و «الغطاريف»: الكرام والسادة أيضاً. والغطرفة: ضرب من السير والمشيء يختال فيه.
و «النجلاء»: الواسعة، يقال: سنان منجل: واسع الطعنة: «عن عرض» أي عن شقّ وحرف. وقال غيره: أعترضه اعتراضاً حين أقتله.
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثني عمّي عن ابن الكلبيّ، وأخبرني إبراهيم بن أيّوب عن ابن قتيبة قال قال ابن الكلبيّ:
شدّاد جدّ عنترة غلب على نسبه، وهو عنترة بن عمرو بن شدّاد؛ وقد سمعت من يقول: إنما شدّادا عمّه، كان نشأ في حجره فنسب إليه دون أبيه. قال: وإنمّا ادّعاه أبوه بعد الكبر؛ وذلك لأن أمّه كانت أمة سوداء يقال لها زبيبة، وكانت العرب في الجاهليّة إذا كان للرجل منهم ولد من أمة استعبدوه. وكان لعنترة إخوة من أمّة عبيد. وكان سبب ادّعاء أبي عنترة إيّاه أنّ بعض أحياء العرب أغاروا على بني عبس فأصابوا منهم واستاقوا إبلاً، فتبعهم العبسيّون فلحقوهم فقاتلوهم عمّا معهم وعنترة يومئذ فيهم؛ فقال له أبوه: كرّ يا عنترة. فقال عنترة: العبد لا يحسن الكرّ، إنما يحسن الحلاب والصّرّ. فقال: كرّ وأنت حرّ. فكرّ وهو يقول:
أنا الهجين عنتره
كلّ امرىء يحمي حره
أسوده وأحمره
والشّعرات المشعره
الواردات مشفره
وقاتل يومئذ قتالاً حسناً، فادّعاه أبوه بعد ذلك وألحق به نسبه.
وحكى غير ابن الكلبيّ أنّ السبب في هذا أنّ عبساً أغاروا على طيّىء، فأصابوا نعماً، فلما أرادوا القسمة قالوا لعنترة: لا نقسم لك نصيباً مثل أنصبائنا لأنك عبد. فلما طال الخطب بينهم كرّت عليهم طيّىء؛ فاعتزلهم عنترة وقال: دونكم القوم، فإنّكم عددهم. واستنقذت طيّىء الإبل. فقال له أبوه: كرّ يا عنترة. فقال: أو يحسن العبد الكرّ! فقال له أبوه: العبد غيرك، فاعترف به، فكرّ واستنقذ النّعم. وجعل يقول:
أنا الهجين عنتره ... كلّ امرىء يحمي حره
الأبيات.
قال ابن الكلبيّ: وعنترة أحد أغربة العرب، وهم ثلاثة: عنترة وأمّه زبيبة، وخفاف بن عمير الشّريديّ وأمّه ندبة، والسّليك بن عمير السّعديّ وأمّه السّلكة، وإليهنّ ينسبون. وفي ذلك يقول عنترة:
إنّي امرؤ من خير عبس منصباً
شطري وأحمي سائري بالمنصل
وإذا الكتيبة أحجمت وتلاحظت
ألفيت خيراً من معمّ مخول
يقول: إنّ أبي من أكرم عبس بشطري، والشطر الآخر ينوب عن كرم أمّي فيه ضربي بالسيف، فأنا خير في قومي ممن عمّه وخاله منهم وهو لا يغني غنائي. وأحسب أنّ هذه القصيدة هي التي يضاف إليها البيتان اللذان يغنّى فيهما، وهذه الأبيات قالها في حرب داحس والغبراء.
قال أبو عمرو الشّيبانيّ: غزت بنو عبس بني تميم وعليهم قيس بن زهير، فانهزمت بنو عبس وطلبتهم بنو تميم، فوقف لهم عنترة، ولحقتهم كبكبة من الخيل، فحامى عنترة عن الناس فلم يصب مدبر. وكان قيس بن زهير سيّدهم، فساءه ما صنع عنترة يومئذ، فقال حين رجع: واللّه ما حمى الناس إلا ابن السوداء. وكان قيس أكولاً.
فبلغ عنترة ما قال؛ فقال يعرّض به قصيدته التي يقول فيها:
صوت
بكرت تخوّفني الحتوف كأنّني
أصبحت عن عرض الحتوف بمعزل
فأجبتها أنّ المنيّة منهل
لا بدّ أن أسقى بكأس المنهل
فاقني حياءك لا أبالك واعلمي
أنّي امرؤ سأموت إن لم أقتل
إنّ المنيّة لو تمثّل مثلّت
مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
إني امرؤ من خير عبس منصباً
شطري وأحمي سائري بالمنصل
وإذا الكتيبة أحجمت وتلاحظت
ألفيت خيراً من معمّ مخول
والخيل تعلم والفوارس أنّني
فرّقت جمعهم بضربة فيصل
إذ لا أبادر في المضيق فوارسي
أو لا أوكّل بالرّعيل الأوّل
إن يلحقوا أكرر وإن يستلحموا
أشدد وإن يلفوا بضنك أنزل
حين النزول يكون غاية مثلنا
ويفرّ كلّ مضلّل مستوهل
والخيل ساهمة الوجوه كأنما
تسقى فوارسها نقيع الحنظل
ولقد أبيت على الطّوى وأظلّه
حتى أنال به كريم المأكل
عروضه من الكامل. غنّت في الأربعة الأبيات الأول والبيت الثاني عريب خفيف رمل بالبنصر من رواية الهشاميّ وابن المعتزّ وأبي العبيس.
«الحتوف»: ما عرض للإنسان من المكاره والمتالف. «عن عرض» أي ما يعرف منها. «بمعزل» أي في ناحية معتزلة عن ذلك. و «منهل»: مورد. وقوله: «فاقني حياءك» أي احفظيه ولا تضيّعيه. و «الضّنك» الضيق. يقول: إن المنيّة لو خلقت مثالاً لكانت في مثل صورتي. و «المنصب»: الأصل. و «المنصل»: السيف، ويقال منصل أيضاً بفتح الصاد. وأحجمت: كعّت. و «الكتيبة»: الجماعة إذا اجتمعت ولم تنتشر. و «تلاحظت»: نظرت من يقدم على العدوّ. وأصل التلاحظ النظر من القوم بعضهم إلى بعض بمؤخر العين. و «الفيصل»: الذي يفصل بين الناس.
وقوله: «لا أبادر في المضيق فوارسي» أي لا أكون أوّل منهزم ولكني أكون حاميتهم. و «الرعيل»: القطعة من كل شيء. و «يستلحموا»: يدركوا. والمستلحم: المدرك؛ وأنشد الأصمعيّ:
نجّى علاجاً وبشراً كلّ سلهبة ... واستلحم الموت أصحاب البراذين
و «ساهمة»: ضامرة متغيّرة، قد كلح فوارسها لشدّة الحرب وهولها. وقوله: «ولقد أبيت على الطوى وأظله». قال الأصمعيّ: أبيت بالليل على الطّوى وأظلّ بالنهار كذلك حتى أنال به كريم المأكل أي ما لا عيب فيه عليّ، ومثله قوله: إنه ليأتي عليّ اليومان لا أذوقهما طعاماً ولا شراباً أي لا أذوق فيهما. والطّوى: خمص البطن، يقال: رجل طيّان وطاوي البطن.
وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا ابن عائشة قال:
أنشد النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قول عنترة:
ولقد أبيت على الطّوى وأظلّه ... حتّى أنال به كريم المأكل
فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما وصف لي أعرابيّ قطّ فأحببت أن أراه إلّا عنترة».
أخبرني عليّ بن سليمان قال حدّثنا أبو سعيد السكّريّ عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ وأبي عبيدة:
أن عنترة كان له إخوة من أمّه، فأحبّ عنترة أن يدّعيهم قومه؛ فأمر أخا له كان خيرهم في نفسه يقال له «حنبل»، فقال له: أرو مهرك من اللّبن ثم مرّ به عليّ عشاء. فإذا قلت لكم: ما شأن مهركم متخدّداً مهزولاً ضامراً، فاضرب بطنه بالسيف كأنّك تريهم أنك قد غضبت مما قلت: فمرّ عليهم، فقال له: يا حنبل، ما شأن مهركم متخدّداً أعجر من اللبن؟ فأهوى أخوه بالسيف إلى بطن مهره فضربه فظهر اللبن. فقال في ذلك عنترة:
أبني زبيبة ما لمهركم
متخدّداً وبطونكم عجر
ألكم بإيغال الوليد على
أثر الشّياه بشدّة خبر
وهي قصيدة. قال: فاستلاظه نفر من قومه ونفاه آخرون. ففي ذلك يقول عنترة:
ألا يا دار عبلة بالطّويّ ... كرجع الوشم في كفّ الهديّ
وهي طويلة يعدّد فيها بلاءه وآثاره عند قومه.
أخبرني عمّي قال أخبرني الكرانيّ عن النّضر بن عمرو عن الهيثم بن عديّ قال:
قيل لعنترة: أنت أشجع العرب وأشدّها؟ قال لا. قيل: فبماذا شاع لك هذا في الناس؟ قال: كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزماً، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزماً، ولا أدخل إلا موضعاً أرى لي منه مخرجاً، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشّجاع فأثنّي عليه فأقتله.
أخبرني حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال:
قال عمر بن الخطاب للحطيئة: كيف كنتم في حربكم؟ قال: كنا ألف فارس حازم. قال: وكيف يكون ذلك؟
قال: كان قيس بن زهير فينا وكان حازماً فكنا لا نعصيه. وكان فارسنا عنترة فكنّا نحمل إذا حمل ونحجم إذا أحجم.
وكان فينا الرّبيع بن زياد وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نخالفه. وكان فينا عروة بن الورد فكنّا نأتمّ بشعره، فكنا كما وصفت لك. فقال عمر: صدقت.
أخبرني عليّ بن سليمان قال حدّثنا أبو سعيد السكريّ قال قال محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل عن أبي عبيدة وابن الكلبيّ قالا:
أغار عنترة على بني نبهان من طيّىء فطرد لهم طريدة وهو شيخ كبير، فجعل يرتجز وهو يطردها ويقول:
آثار ظلمان بقاع محرب
قال: وكان زرّ بن جابر النّبهانيّ في فتوّة، فرماه وقال: خذها وأنا ابن سلمى، فقطع مطاه؛ فتحامل بالرّمية حتى أتى أهله؛ فقال وهو مجروح:
وإنّ ابن سلمى عنده فاعلموه دمي
وهيهات لا يرجى ابن سلمى ولا دمي
يحلّ بأكناف الشّعاب وينتمي
مكان الثّريّا ليس بالمتهضّم
رماني ولم يدهش بأزرق لهذم
عشيّة حلّوا بين نعف ومخرم
قال ابن الكلبي: وكان الذي قتله يلقّب بالأسد الرهيص. وأما أبو عمرو الشّيبانيّ فذكر أنه غزا طيّئاً مع قومه، فانهزمت عبس، فخرّ عن فرسه ولم يقدر من الكبر أن يعود فيركب؛ فدخل دغلاً، وأبصره ربيئة طيّىء فنزل إليه، وهاب أن يأخذه أسيراً فرماه وقتله.
وذكر أبو عبيدة أنه كان قد أسنّ واحتاج وعجز بكبر سنّه عن الغارات، وكان له على رجل من غطفان بكر، فخرج يتقاضاه إيّاه، فهاجت عليه ريح من صيف وهو بين شرج وناظرة، فأصابته فقتلته.
قال أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلّام قال:
كان عمرو بن معد يكرب يقول: ما أبالي من لقيت من فرسان العرب ما لم يلقني حرّاها وهجيناها. يعني بالحرّين عامر بن الطّفيل وعتيبة بن الحارث بن شهاب، وبالعبدين عنترة والسّليك بن السّلكة.
هذه أخبار عنترة قد ذكرت فيها ما حضر.
المصادر والمراجع
المراجع العلمية المستخدمة في هذه الدراسة
-
الأغاني- ذكر عنترة ونسبه وشيء من أخباره
الرابط الإلكتروني
المداخلات العلمية (0)
انضم للمداخلات العلمية
سجل دخولك لتشارك وتضيف مداخلتك الأكاديمية على هذه الدراسة.
تسجيل الدخول للمشاركةلا توجد مداخلات بعد. كن أول من يضيف مداخلة!