فهرس المحتويات
انتقل مباشرة إلى القسم المطلوب
                                
                                0% مقروء
                            
                        منذ فجر التاريخ كانت وما زالت البشرية تستخدم الأمثال إما لوصف حدث أو تسهيلاً للمعاني، ولا تكاد تخلو أمة إلا ولديها من الأمثال، فالمثل ليس مجرد كلمات، بل هو وسيلة تحمل في طياتِها الكثير من الأحداث. ولعل لغتنا وتاريخنا العربي الحافل يكاد يكون أكثر تلك الشعوب واللغات وفرةً في الأمثال، نظرًا لتاريخنا الذي لم يقتصر أبدًا على زمنٍ معين، بل يتعدى حدود الزمن وما زال قائمًا حتى اللحظة. وربما يجد البعض أمثالًا لا يعلم ما قصتها، ولعلي اليوم أذكر خبر الأمثال الثلاث التي لا زالت حتى يومنا هذا حاضرةً، وتحديدًا الأمثال التي ارتبطت بقصة ضَبّة بن أَدّ، وسأحاول بحول الله نقلها كما وردت ولكن بتبسيطٍ للمعنى حتى يتسنى للقارئ استيعابها.
كان لضبة بن أد ابنان؛ يقال لأحدهما سعد، وللآخر سعيد، وكان لضبة إبل. وشاء الله أن نفرت في إحدى الليالي، فأرسل ابنيه في طلبها فتفرقا. فوجد سعد ما وجد فردها، وأما سعيد فقد مضى في طلبها، وطال الوقت ومضت الأيام وراء الأيام وسعيد لم يعد. فكان ضبة إذا أمسى ورأى في الليل سوادًا قال: "أسعد أم سعيد؟" فأطلقها مثلًا، وهو مثل يُضرب في النجاح والخيبة.
فمكث ضبة ما شاء الله أن يمكث، ثم إنه حج، فوافى عُكاظ (وقد كان العرب في الجاهلية يأتون عكاظ قبل الحج)، فلقي بها رجلًا اسمه الحارث بن كعب، ورأى عليه بُردي ابنه سعيد فعرفهما، فقال: هل أنت مخبري ما هذان البُردان اللذان عليك؟ قال الحارث: لقيت غلامًا وهما عليه، فسألته إياهما فأبى عليَّ فقتلته وأخذت بُرديه هذين. فقال ضبة: "بسيفك هذا؟" قال الحارث: نعم! فقال: فأعطنيه أنظر إليه فإني أظنه صارمًا، فأعطاه الحارث سيفه، فلما أخذه من يده هزّه وقال: "الحديث ذو شجون"، فأطلقها مثلًا (يُضرب في معاشرة اللئام، وما ينبغي أن يُعاملوا به)، ثم ضربه به حتى قتله. (وكان الحج في الجاهلية في الأشهر الحرم، وكانت العرب تحرّم فيها القتال).
فقيل له: يا ضبة أفي الشهر الحرام؟ فقال: "سبق السيف العذل"، فأطلقها مثلًا (وهو يُضرب في اللوم بعد فعلٍ لا يفيد اللوم فيه).
وأما مثل "أسعد أم سعيد"، فقد استشهد به زياد بن أبيه في خطبته المشهورة "الخطبة البتراء" استشهادًا عنيفًا عندما قلب المعنى، فأخذه إلى منحى صارم، حتى صار المثل يُطلق بصيغة أخرى عندما قال في المنبر: "وإني أقسم بالله لأخذن الولي بالولي، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: أنجُ سعد، فقد هلك سعيد، أو تستقيم لي قناتكم."
في الختام، إن الأمثال العربية ليست مجرد كلمات خالية من المعنى، بل تحمل في طياتها قصصًا وعِبرًا كثيرة. وربما لقلة حرصٍ منا لم نلقِ لها بالًا، فالواجب علينا أن نكون على أقل تقدير نعرف القصة وراء المثل قبل أن نستخدمه، فالتاريخ العربي يمتلك الكثير من هذه القصص التي نُسيت، وعلينا استعادتها.
                    المصادر والمراجع
المراجع العلمية المستخدمة في هذه الدراسة
- 
                                
قصص العرب الجزء الثاني صفحة ١٢ ،
 - 
                                
الكامل في التاريخ صفحة ٤٧٧
 
                
                                    
                                    
                                    
                                    
                                    
المداخلات العلمية (0)
انضم للمداخلات العلمية
سجل دخولك لتشارك وتضيف مداخلتك الأكاديمية على هذه الدراسة.
تسجيل الدخول للمشاركةلا توجد مداخلات بعد. كن أول من يضيف مداخلة!