دراسة حول زعم تعلم إسماعيل عليه السلام العربية من جرهم
مقدمة
يتداول بعض الناس زعماً مفاده أن النبي إسماعيل عليه السلام تعلم اللغة العربية من قوم جرهم. تهدف هذه الدراسة إلى الرد على هذا الزعم وتفنيده بالاستناد إلى المصادر الموثوقة، خاصة ما جاء في صحيح البخاري، وشرح الفارق بين الحديث الشريف والروايات الأخرى، مع الاستعانة بآراء العلماء الموثوقين ونصوص القرآن والسنة.
⸻
أولاً: تحليل روايات البخاري المتعلقة بالموضوع
ذكر الإمام البخاري في صحيح البخاري روايتين مرتبطتين بقصة إسماعيل عليه السلام:
1. الرواية الأولى: عن ابن عباس، نقلها عن أيوب السختياني (رقم الحديث 3365).
- في هذه الرواية توجد عبارة شب الغلام وتعلم العربية من جرهم، لكنها ليست حديثاً عن رسول الله ﷺ، بل جزء من الرواية.
- وذكر البخاري قبل نقل الرواية "يزيد أحدهما على الآخر" بمعنى الرواية بها زيادة.
- حديث النبي ﷺ داخل الفواصل: "..."
- وبنفس الرواية تحدثت هاجر مع قوم جرهم عند بئر زمزم، وتحدث إبراهيم عليه السلام مع زوجة إسماعيل الجرهمية، مما يؤكد أصالة العربية في البيت منذ البداية.
2. الرواية الثانية: برواية كثير، رقم الحديث 3365 أيضاً.
- هذه الرواية لم تذكر أن إسماعيل تعلم العربية من قوم جرهم، بل ذكرت فقط أنه كبر وتزوج منهم.
- مواضع حديث هاجر وإبراهيم موجودة أيضاً في هذه الرواية.
- نقل ابن حجر في كتابه فتح الباري أن بعض العلماء، مثل الإمام الإسماعيلي، عابوا على البخاري نقل رواية أيوب لأنها مضطربة، لكن الذي يظهر أن اعتماد البخاري كان على رواية كثير، مع ذكره للرواية الأخرى كاستظهار.
📌 ملاحظة مهمة: الفواصل في الروايتين لنقل حديث النبي ﷺ، وليست فقط موجودة في رواية أيوب، أي أن جميع الروايات تفصل بين النص النبوي وبين ما أضيف في الرواية.
⸻
ثانياً: دلائل عقلية ونصية ضد الزعم
1. لغة والدي إسماعيل:
- هاجر عليها السلام تحدثت مع قوم جرهم لتسمح لهم بأن يسكنوا عندها عند بئر زمزم، وذُكر هذا الحدث في الروايتين.
- إبراهيم عليه السلام تحدث مع زوجة إسماعيل الجرهمية، وذُكر هذا الحدث أيضاً في الروايتين.
- بما أن والدي إسماعيل يتحدثان العربية، فمنطقياً أن إسماعيل نشأ بلغة عربية أصيلة ولم يكن بحاجة لتعلمها من قوم جرهم.
2. الأدلة القرآنية والحديثية:
- قوله تعالى: ﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم﴾ (سورة إبراهيم: 4)
- تفسير قتادة: "أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: ﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه﴾ قال: بلسان قومه إن كان عربياً فعربياً، وإن كان عجمياً فعجمياً، وإن كان سريانياً فسريانياً ليُبين لهم الذي أُرسل إليهم ليتخذ بذلك الحجة عليهم".
- حديث النبي ﷺ عن أبي ذر: "لم يبعث الله نبياً إلا بلسان قومه".
- بما أن قوم إسماعيل هم جرهم، فإنه منطقي أن إسماعيل كان يتحدث لغة قومه بطبيعته، فلا حاجة لتعلمها منهم.
3. حديث الألباني:
- ذكر الألباني في كتابه أن أول من فتّح لسانه بالعربية المبينة هو إسماعيل عليه السلام، مما يؤكد أصالة لغته العربية منذ نشأته.
⸻
ثالثاً: خلاصة الرد
- عبارة شب الغلام وتعلم العربية من جرهم الموجودة في رواية أيوب ليست حديثاً عن رسول الله ﷺ، بل جزء من الرواية مع زيادة فيها.
- رواية كثير تؤكد أن إسماعيل كبر وتزوج منهم دون أي ذكر لتعلم اللغة.
- مواضع حديث هاجر عند بئر زمزم وإبراهيم مع زوجة إسماعيل موجودة في كلا الروايتين، ما يدل على أن العربية كانت لغة البيت منذ البداية.
- الأدلة العقلية والنصية تشير بوضوح إلى أن إسماعيل عليه السلام كان عربياً بطبيعته ولغته العربية أصيلة، ولم يتعلمها من قوم جرهم.
- حديث الألباني يعزز هذه الحقيقة بأن أول من فتّح لسانه بالعربية المبينة هو إسماعيل عليه السلام.



المداخلات العلمية (2)
انضم للمداخلات العلمية
سجل دخولك لتشارك وتضيف مداخلتك الأكاديمية على هذه الدراسة.
تسجيل الدخول للمشاركةمحمد .
منذ 1 شهرالدحيمي القرني
منذ 1 شهر