السبب
وقفت على رسالة بليغة منسوبة لصقر قريش في مواجهة العباسيين، أعجبتني صياغتها، لكني حين بحثت… لم أجد أي أثر لها في المصادر المعروفة، إلا في مقطع فيديو واحد:
https://www.youtube.com/watch?v=eoAeplc_6Sc
هذه الدراسة تحاول توثيق الرسالة، وتبحث له عن مصدر على الإنترنت، على أمل أن يكون مهلوس قد نقله من كتاب لم يُفهرس بعد. وقد أدرجتُ سياق الثورة التي نُسبت إليها الرسالة، كما ورد في كتاب الأندلس من الفتح إلى السقوط للدكتور راغب السرجاني.
موقف العباسيين من الإمارة الأموية بالأندلس
لن نستفيض في شرح الثورات ضد عبد الرحمن الداخل وماذا حصل في كل ثورة؟ فالكتب فيها تفصيلات كثيرة، لكن أقف عند ثورة واحدة لأهميتها في فهم هذا الانفصال الذي حصل للأندلس عن الخلافة العباسية، هذه الثورة حدثت في سنة (١٤٦هـ)، أي: بعد حوالي ثمان سنوات من استلام عبد الرحمن بن معاوية للحكم في بلاد الأندلس، قام بها رجل اسمه العلاء بن مغيث الحضرمي، أرسله أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي كي يقتل عبد الرحمن بن معاوية ويضم الأندلس إلى أملاك الخلافة العباسية، وهذا بالنسبة لـ أبي جعفر المنصور أمر طبيعي، يريد أن يضم بلاد الأندلس؛ لأنها البلاد الوحيدة من بلاد المسلمين التي هي منشقة عن الخلافة العباسية الكبيرة.
جاء العلاء بن المغيث الحضرمي من بلاد المغرب العربي، وعبر إلى الأندلس، وقام فيها بثورة ينادي بدعوة العباسيين، ويرفع الراية السوداء التي أرسلها الخليفة أبو جعفر المنصور الذي يعتبر الخليفة العباسي الثاني، أو المؤسس الحقيقي للخلافة العباسية بعد أبي العباس السفاح.
دارت حرب كبيرة بين العلاء بن مغيث الحضرمي وبين عبد الرحمن بن معاوية، انتصر فيها عبد الرحمن بن معاوية، ووصلت الأنباء إلى أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي أن العلاء بن المغيث الحضرمي قد قتل، وأن جيشه قد هزم هزيمة منكرة. وأرسل راسة الى أبو جعفر المنصور معه رسالة يقول فيها:
<فقد وصل الي يا أمير المؤمنين رسولك بالعلاء بن مغيث يحمل سيفك ورايتك يطلب مني الطاعة ويزعم انه خليفتك في هذه البلاد وقد قاتلناه فقتلناه ووأبقينا سيفك ورايتك عندنا امانه لك, فابعث من يستلمها ان شئت ولسنا ننازعك الخلافة في بلاد المشرق ولكننا قد ملكنا هذه البلاد بسيوفنا ودِمائنا فلا طاعة الا لله, ولا ولاية الا لمن أقامها بالحق>
فقال أبو جعفر المنصور: قتلنا هذا البائس، بتكليفه بحرب عبد الرحمن بن معاوية، ثم قال: ما لنا في هذا الفتى من مطمح، ويقصد به عبد الرحمن بن معاوية، وليس لنا أمل في حربه، والحمد لله الذي جعل بيننا وبينه البحر.
ومنذ هذه اللحظة والدولة العباسية لم تفكر ولا مرة واحدة في استعادة بلاد الأندلس، بل إن أبا جعفر المنصور الخليفة العباسي هو الذي سمى عبد الرحمن بن معاوية بـ صقر قريش، وقد اشتهر في التاريخ بـ صقر قريش، كان أبو جعفر المنصور جالسا مع أصحابه فسألهم: أتدرون من هو صقر قريش؟ فقالوا له: أنت، فقال: لا.
فعددوا له أسماء حتى ذكروا له معاوية وعبد الملك بن مروان وأسماء من بني أمية.
فقال: لا، بل عبد الرحمن بن معاوية، دخل الأندلس منفردا بنفسه مؤيدا برأيه مستصحبا لعزمه، يعبر القفر ويركب البحر حتى دخل بلدا أعجميا، فجمع الأنصار وجند الأجناد، وأقام ملكا بحسن تدبيره وشدة عزمه..
هذه الرسالة وسياقها. وقفكم الله.
التعليقات (0)
يرجى تسجيل الدخول للتعليق على هذه الدراسة.
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!