مقدمة
تمثل حقبة الخلافة الأموية في المشرق مرحلةً حاسمة في التاريخ الإسلامي، حيث تداخلت فيها القوة السياسية مع الطموحات العمرانية والإدارية، فتجسدت السلطة في أفراد أسرة واحدة: أبناء عبد الملك بن مروان. لقد ترك كل منهم بصمته الخاصة على مسار الدولة، بين التوسع العسكري، والإصلاح الإداري، والاهتمام بالعلم والفنون، وأحيانًا الميل للترف والرفاهية.
يعكس هذا البحث دراسة موجزة لسير هؤلاء الخلفاء وصفاتهم وشخصياتهم، مع إبراز الإنجازات التي حققوها، وكيف أسهم كل منهم في استمرار قوة الدولة الأموية في المشرق أو ترك إرثًا للإصلاح والازدهار. كما يسلط الضوء على تنوع الطبائع في الأسرة الواحدة، وكيف انعكس هذا التنوع على السياسة والحكم، مما يجعل من دراسة هذه الحقبة نافذة لفهم تعقيدات الخلافة الأموية ومسار تطور الدولة الإسلامية في عصرها الذهبي.
📖 أبناء عبد الملك بن مروان: دراسة موجزة في سيرتهم وصفاتهم وحكمهم
1) عبد الملك بن مروان (685–705م)
الميلاد: 646م بالمدينة.
الوفاة: 705م بدمشق.
مدة الحكم: 685–705م (20 عامًا).
- سماته: جمع بين الفقه والسياسة؛ عُرف بدهائه السياسي وصبره الطويل على الأزمات، وكان إداريًا من الطراز الأول، ميالًا للتخطيط الاستراتيجي، قليل الترف مقارنة ببعض خلفائه، مهيبًا في مجلسه.
- إنجازاته: توحيد الدولة بعد حروب الفتنة، تعريب الدواوين، إصلاح النقد وصك عملة إسلامية مستقلة، تعزيز سلطة الدولة المركزية.
2) الوليد بن عبد الملك (705–715م)
الميلاد: 670م.
الوفاة: 715م (دمشق).
مدة الحكم: 705–715م (10 أعوام).
- سماته: ميّال للعمران والفنون، واسع الطموح، حازم في الإدارة لكنه أكثر ميلًا للترف من والده، شغوف بالمشاريع الكبرى. امتاز بطموح توسعي ورؤية عمرانية تركت أثرًا دائمًا.
- إنجازاته: فتح الأندلس والسند، توسع في آسيا الوسطى، أنشأ جامع دمشق الكبير ووسع المسجد النبوي، أشرف على مشاريع بنية تحتية واسعة جعلت عهده مرحلة ازدهار سياسي واقتصادي.
3) سليمان بن عبد الملك (715–717م)
الميلاد: 674م.
الوفاة: 717م بدابق قرب حلب.
مدة الحكم: 715–717م (سنتان 8 اشهر).
- سماته: كريم سخيّ الطبع، محب للترف، لكنه كان قادرًا على اتخاذ قرارات صعبة عند الحاجة، أكثر ميولًا للراحة من أخيه الوليد. امتاز بالبساطة في مجلسه وميله لمجالسة العلماء.
- إنجازاته: جهّز جيش مسلمة بن عبد الملك لمحاولة فتح القسطنطينية، اهتم بتثبيت سلطة الأسرة المروانية، وأبرز إنجازه السياسي كان وصيته بتولية عمر بن عبد العزيز، ما أضفى بُعدًا إصلاحيًا على انتقال الحكم.
4) عمر بن عبد العزيز (717–720م)
الميلاد: 681م بالمدينة.
الوفاة: 720م قرب معرّة النعمان (سورية).
مدة الحكم: 717–720م (سنتان 3 اشهر).
- سماته: زاهد ورع، شديد العدل، لين الجانب مع الرعية، بليغ في خطابه، مُحب للعلماء والفقهاء، زاهد في مظاهر الترف. اشتهر بلقب "خامس الخلفاء الراشدين" لما مثّله من عودة روح العدل والشورى.
- إنجازاته: أوقف سياسة الترف المالي، أعاد الحقوق إلى أصحابها، خفّف الضرائب عن المسلمين الجدد، أطلق حركة إصلاح شاملة إدارية ومالية، وارتبط عهده ببداية تدوين الحديث الشريف.
5) يزيد بن عبد الملك (720–724م)
الميلاد: 691م.
الوفاة: 724م . دمشق
مدة الحكم: 720–724م (4 أعوام).
- سماته: شاب في مقتبل العمر عند توليه، ميال للهو والترف والغناء، تأثر بجواريه ومع ذلك لم يكن ضعيفًا عسكريًا، إذ عرف عنه الحزم في مواجهة الثورات، لكن شخصيته أقل جدية من أسلافه.
- إنجازاته: قمع ثورات الخوارج ، حافظ على الحدود الشرقية، غير أن عهده اتسم باضطرابات داخلية أثّرت على صورة الحكم الأموي.
6) هشام بن عبد الملك (724–743م)
الميلاد: 691م.
الوفاة: 743م بالرصافة (سورية).
مدة الحكم: 724–743م (19 عامًا).
- سماته: إداري محكم، صارم في القرارات، ميّال للتقشف أحيانًا حتى عُدّ بخيلًا في بعض الروايات، طويل النفس في الحكم، شديد الانضباط. اهتم بالعدل الإداري لكنه واجه تحديات متصاعدة.
- إنجازاته: ثبّت جهاز الدولة المالي والإداري، وجّه حملات متكررة نحو القسطنطينية، واصل التوسع شرقًا، شهدت الدولة في عهده استقرارًا طويلًا نسبيًا، لكن ظهرت في أواخر أيامه بوادر ضعف وصعود المعارضة العباسية والخوارج.
الخاتمة
يمثّل أبناء عبد الملك بن مروان المرحلة الذهبية للدولة الأموية في المشرق؛ فقد ورثوا مشروع والدهم في تثبيت الحكم وتوسيع رقعة الدولة.
كان عبد الملك المؤسس الإداري والسياسي.
جاء الوليد بالازدهار والتوسع العمراني.
أما سليمان فقصُر عهده لكنه مهّد لإصلاحات عمر.
وعمر بن عبد العزيز أعاد للخلافة طابعها الراشدي القائم على العدل والزهد.
ثم جاء يزيد بمرحلة مضطربة بسبب ميله للترف.
وأخيرًا هشام الذي منح الدولة أطول فترة استقرار بعد أبيه، مع بروز عوامل التراجع.
وبذلك تُظهر هذه الحقبة كيف اجتمع في بيت عبد الملك تنوع في الطبائع من الحزم إلى الزهد إلى الترف، مما انعكس مباشرة على مسار الدولة الأموية بين القوة والازدهار ثم بدايات الانحدار
المصادر
1-البداية والنهاية ابن كثير
2-الكامل في التاريخ ابن الاثير
التعليقات (0)
يرجى تسجيل الدخول للتعليق على هذه الدراسة.
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!